لم يكن للمصريين شاغلًا منذ صباح أول أمس الإثنين، سوى الحديث عن رامي مالك الممثل الأمريكي، المنحدر من أصول مصرية تعود لمركز سمالوط بمحافظة المنيا، وذلك بعد حصده جائزة الأوسكار عن دوره في فيلم "بوهيميان رابسودي"، والذي جسد فيه شخصية فريدي ميركوري مغني فرقة كوين الإنجليزية، المنحدر من أصول هندية، وهو ما اشترك فيه رامي وميركوري وكلاهما من المهاجرين اللذين واجهها أزمات الهوية في صغرهما وساعدتهما الفنون في التعرف على حقيقتهما.
ما غفله أكثر المصريين المتحفظين هو أن ميركوري كان مثلي الجنس، وهو ما جسده مالك على الشاشة الكبيرة، وهو ما يخالف المعتقد السائد عن أغلب المصريين بأن المثلية الجنسية محرمة في الشرائع السماوية، ويواجه صاحبها العديد من الأزمات في المجتمعات المحافظة، وهو ما حدث مع فرقة "مشروع ليلى" اللبنانية، والتي مُنعت من الغناء في مصر بعد رفع علم قوس قزح، وهو شعار مجتمعات الميم، في آخر حفلاتها بمصر، دعمًا لمطربها الرئيسي حامد سنو الذي اعترف بمثليته الجنسية علانية.
في بادئ إعلان تتويج رامي مالك بالأوسكار، شعر المصريون بحالة من النشوى والفخر، فها هو مهاجر مصري يحصد أرفع جائزة في عالم السينما، وهو ما يؤكد لهم أن الحلم ممكن، والمثابرة تؤتي ثمارها، ما جعل الكثيرين من مشاهير السوشيال ميديا يستشهدون بقصة مالك كعامل تحفيزي للجمهور المخاطب، وهو ما لاقى صداه بين المصريين، جعلهم يلقبونه بفخر العرب، ويجمعون بينه وبين محمد صلاح لاعب منتخب مصر ونادي ليفربول الإنجليزي في جملة واحدة على أنهما أجمل ما في العالم العربي، متمنين تحقيق جزء من إنجازاتهم العالمية.
وفي خطابه بعد الفوز، أعرب رامي مالك عن امتنانه لأصوله المصرية، كونه أمريكي من الجيل الأول لآباء مهاجرين، وهو ما شكل أزمة هوية في صغره لجمعه بين عالمين مختلفين، لكنه أكد تغلبه عليها الآن، كما تحدث أيضًا عن سعادته بتجسيد شخصية فريدي ميركوري، الذي يعد أحد أيقونات موسيقى الروك، والذي واجه صعوبات مع هويته الجنسية، وهو ما تغافلت عنه المواقع الإخبارية المصرية من حديث مالك، مركزة فقط على نجاحه في اقتناص الأوسكار.
ومع انتشار صورة لرامي مالك وهو يقبل رجل آخر ضمن أحداث الفيلم الحائز على أربع جوائز أوسكار، وذلك عبر صفحات مواقع التواصل الاجتماعي المختلفة، انقلب الحال مع المصريين، فبعد أن كان مالك فخرًا للعرب، ومثالًا للنجاح، أصبح نموذجًا يجسد ما يخشاه المصريين من نشر كل ما يخالف معتقداتهم، واعتبره البعض مروجًا للمثلية، متسائلين كيف يمكن لمصري أن يجسد مثل هذا الدور أو يشجع على ما يؤتي به صاحبه.
على جانب آخر، يرى عدد لا بأس به من المصريين أن ما قدمه مالك ليس بجديد على هوليوود، حيث أن مدينة السينما الأمريكية أصبحت حافلة بأعمال تناقش قضايا المثليين والأقليات، وأن العالم أصبح منفتحًا على متطلبات الجميع، وكل له الحق في التعبير عما يريده، وإعلاء صوته للحصول على حقوقه، مطالبين المصريين بالتراجع عن تحفظهم والانفتاح على الثقافات المغايرة، وعدم فرض معتقداتهم على الآخرين، والاحتفال برامي مالك كأحد رموز النجاح الذي جمع بين ثقافتي الشرق والغرب.
by via الفجر الفني
Enregistrer un commentaire