طارق الشناوي يكتب: أشواك تدمي أم أجنحة تطير؟!

Monday, March 4, 2019

طارق الشناوي يكتب: أشواك تدمي أم أجنحة تطير؟!

صار فيلم «يوم الدين» موعوداً بالنجاح، ينتقل من مهرجان إلى آخر، حاصداً الجوائز، محتفظاً فى نفس الوقت بنداء خاص يدفعك لمشاهدته، نال الفيلم مؤخرا تقريبا كل جوائز المركز السينمائى الكاثوليكى، ورغم ذلك فإننى عندما التقيت المخرج أبوبكر شوقى وزوجته المنتجة دينا كريم، طلبت منهما أمام العائلة الكريمة الأب والأم والشقيق، أن يعتبرا تلك الجوائز هى «تتر» النهاية، ويشرعا فى تحقيق الحلم الثانى.. أعلم أن الخطوة التالية بعد تحقيق النجاح الطاغى دوليا وعربيا ومصريا، أكثر صعوبة.. السؤال لن يُصبح «ما الفكرة؟»، ولكن «أين هى الذروة؟»، مطلوب فقط اقتناص فكرة وليس اعتلاء قمة.

للدواء الشافى أعراض جانبية، والفيتامينات إذا أخذنا منها جرعات كبيرة تؤدى إلى مخاطر صحية، النجاح الطاغى قد يصبح سبباً فى تراجع المبدع عندما يجد نفسه قد أصبح مثل من يقفز الحواجز، إذا لم يحقق فى القفزة التالية رقماً أعلى يتعثر ويخرج من التسابق!!

مثلاً الكاتب المغربى محمد شكرى، صاحب رواية «الخبز الحافى» التى حققت شهرة استثنائية فى العالم، حيث ترجمت إلى 39 لغة ولاتزال تقف فى الصدارة على مستوى أرقام البيع، كان «شكرى» يعانى من حالة النجاح المفرط، التى صنعت جبلاً شاهقاً منع العيون من رؤية أى إبداع آخر، رغم أنه كتب «الخبز الحافى» عام 72، وعاش بعدها 32 عاماً محاولاً أن يتجاوز «الخبز الحافى» دون جدوى.

كان الكاتب الكبير يقول متهكماً: الأطفال فى الشارع لا ينادوننى شكرى، بل يقولون «الخبز الحافى»، صار بينه وبين الرواية عداء سافر، يشعر أنها تسحقه فيكتب غيرها ليقهرها، فيكتشف أنها قهرته وانتهت حياته بعد أن قدمت السينما الرواية فى فيلم أخرجه الجزائرى «رشيد بن حاج»، ومات قبل عرضه، وعاشت «الخبز الحافى».. شىء مماثل حدث للكاتب السودانى الطيب صالح ورائعته «موسم الهجرة للشمال»، ولم ير نقاد الأدب غيرها، فصارت هى اسمه وعنوانه الوحيد.

كان الشاعر السودانى الكبير الهادى آدم، الذى حقق شهرة عريضة فى العالم العربى قبل نحو نصف قرن، يرفض أن يُلقى قصيدته «أغداً ألقاك»، أصبح معادياً لتلك القصيدة بعد أن غنتها أم كلثوم من تلحين محمد عبدالوهاب، كان يشعر أن الناس اختصرت كل دواوينه فى قصيدة واحدة رددتها «الست».

ترويض النجاح يُصبح أحيانا أكثر ضراوة من مواجهة الفشل، يحيى الفخرانى كان من الممكن أن يظل أسير دوره الأثير «سليم البدرى» فى «ليالى الحلمية»، ولكنه حرص على أن يقفز بعيداً فى منطقة إبداعية أخرى، ودائماً ما يعبر حاجز النجاح من رمضان إلى رمضان.

مأساة النجاح الطاغى تجسدت بقسوة مع صفية العمرى «نازك السلحدار»، وصلت قبل أكثر من ربع قرن إلى نجاح غير مسبوق، ووجدنا فى الشارع نوعا فاخرا من «البلح» يحمل اسمها فى رمضان، وسيارة يطلقون عليها عيون «نازك»، حاولت استعادة النجاح قبل 3 سنوات، ووافقت على الجزء السادس من «الحلمية» وتجاهلت نصيحة ليلى مراد الخالدة «كان فعل ماضى ما تسيبه فى حاله».

لدينا نجوم كانت آفتهم هى النجاح، وليس كما قال أديبنا نجيب محفوظ «آفة حارتنا النسيان»، حارة المبدعين آفتها هى أن الناس لا تريد أن تنسى. أجنحة النجاح التى ترنو لأعلى ممكن لو لم نحسن التعامل معها تتحول إلى أشواك تدمى صاحبها من فرط الخوف فى الإقدام على الخطوة الثانية، قد ينزف الفنان إبداعا.. أبوبكر ودينا أنتظركما قريبا وأنتما تحلقان بعيدا عن «يوم الدين»!!.


by via الفجر الفني

Post a Comment

يمكنك مشاركة الموضوع على الواتساب من هاتفك المحمول فقط

اكتب كلمة البحث واضغط إنتري