طارق الشناوي يكتب: إحنا آسفين يا (حلوقة)!!

Wednesday, March 13, 2019

طارق الشناوي يكتب: إحنا آسفين يا (حلوقة)!!

كل سكين كانت تنغرس فى جسد تلك السمكة، شعرت وكأنها تنغرس فى قلبى، السمكة النادرة فى حجمها الذى يربو على ألف ونصف الطن، وفصيلتها من الواضح فى طريقها للانقراض، فهى أساسا تعيش فى المحيطات التى تليق قطعا بهذا الجسد الضخم، إلا أن حظها العثر أوقعها فى شباكنا، حيث اتجهت بالخطأ إلى مياهنا الإقليمية فى ميناء البرلس بكفر الشيخ، ومن بعدها استقرت فى مثواها الأخير، كل منا على قدر قدرته الشرائية أخذ منها قضمة!!.

يطلقون عليها سمكة المحيطات أو (الحلوقة)، وهى لم تكن على علم بالمثل المصرى الشهير (ساعة البطون تعمى العيون)، وهكذا اعتبرها الصيادون منحة من السماء تستحق البيع بالقطاعى، ولم يستوقفهم أنها بالجملة كان من الممكن أن تساوى أكثر لو حافظوا عليها ووضعوها فى متحف، إلا أن تلك بالطبع ثقافة أخرى، فنحن لم نكن ندرك مثلا قيمة ما لدينا من آثار إلا بعد أن بدأ الفرنسيون فى اكتشاف تلك الكنوز الفرعونية، بينما لدينا من اعتبرها ولايزال أصناما تستحق التدمير.

لا ألوم الصيادين ولا المواطن المصرى الذى اشترى كيلو وبدأ فى وضع التوابل قبل أن يدفع بتلك القطعة الغالية للزيت المغلى حتى يلتهمها، وهو لا يدرك أنه مع كل قضمة يمضغ جزءا عزيزا ونادرا من تاريخ عالم البحار.. بالهنا والشفا، سامحونى فأنا مثلكم من مدمنى أكل السمك بكل أنواعه، لكن كان يجب تحنيطها بدلا من أكلها، نحن لا نعرف فضيلة الاقتناء سوى فقط فى الذهب والأموال.

هل تعلمون أن 90% من تسجيلاتنا الإذاعية والتليفزيونية بيعت هى أيضا بالكيلو وبأبخس الأسعار، وبعضها وصل إلى الإذاعة الإسرائيلية، ولم يعد لدينا منها نسخ، إلا أن الأدهى والأمر من كل ذلك هو أننا لم نكن ندرى فى تلك السنوات أننا نرصد تاريخ مصر على أشرطة، وهكذا نكتشف أن الكثير من تسجيلات أم كلثوم وعباس العقاد وطه حسين ولطفى السيد وكامل الشناوى ومحمد التابعى ورياض السنباطى وزكريا أحمد، وغيرهم مسحناها بأيدينا.

تاريخنا السينمائى أيضا ضاع الجزء الأكبر منه، لأننا لا نعرف أساسا أن نوثق اللحظة بصورة فوتوغرافية.. فكيف نفعلها على شريط متحرك؟، من حسن حظ بعض الأفلام أنه كان يجرى طباعتها فى باريس، والقانون هناك يشترط الاحتفاظ بنسخة فى (السينماتيك)، وهكذا تم إنقاذ العديد من الأفلام التى حملت معالم تاريخ السينما المصرية، مثل أول فيلم غنائى (أنشودة الفؤاد).. ومصادفة تكتشف أن الشيخ زكريا أحمد شارك كممثل فى بطولة الفيلم أمام المطربة السورية نادرة، أيضا أول فيلم يلعب بطولته نجيب الريحانى (ياقوت)، نرصد وجها آخر للكاتب الكبير بديع خيرى، فهو هنا أيضا ممثلا موهوبا، أول فيلم رسوم متحركة مصرى (مشمش أفندى) قدمته عائلة (فرانكل)، يهود هاجروا لمصر وأبدع السيناريو بديع خيرى.

أكثر من ذلك صفيحة قمامة هى التى أنقذت مشروع دستور 1954، وهو أول دستور يوضع بعد ثورة يوليو، جمال عبد الناصر اكتشف أن الدستور لا يمنح الرئيس صلاحية مطلقة، فتم التخلص منه والتعتيم عليه، حتى عثر عليه الكاتب الصحفى صلاح عيسى وقدمه للقراء، لنكتشف كم تأخرنا ولانزال.

ماذا لو ضلت طريقها (حلوقة) أخرى وجاءت إلينا وهى تهز ذيلها فرحا، هل سنستفيد من التجربة؟.. أكيد، لأن من تذوقها مقلية لن يكرر الخطأ وسوف يلتهمها هذه المرة مشوية!!.


by via الفجر الفني

Post a Comment

يمكنك مشاركة الموضوع على الواتساب من هاتفك المحمول فقط

اكتب كلمة البحث واضغط إنتري