عزيزى توم هانكس..
من اللحظات المربكة فى حياة الواحد لحظة «تأخر القبض»، تعرف أن لك «فلوس» فى مكان ما، رتبت عليها خطتك، لكنها فعليا غير موجودة، وتحول بينك وبين ترجمة خطتك لواقع.. شىء أشبه بالحب من طرف واحد. الموضوع يتجاوز يقينك بأن الأرزاق على الله، فقد أرسل الله لك رزقك، لكن جهة العمل قررت أن تختبر إيمانك.
ولكنّ هناك جانبا مشرقا فى الموضوع، فالواحد يستغل فترة التأخير فى إعادة حساباته، يفكر كيف يتفادى هذه الزنقة مستقبلا، يضع خططا بديلة فى ذهنه ويعيد تستيف التزاماته، يتأمل متى كان سفيها خلال الشهر الماضى، فورّط نفسه فى مصروفات «فانتازية» يمكن الاستغناء عنها، ويسترجع كل مرة تعرض فيها لما يشبه «النصب»، فيتخذ قرارات بتتغير السوبر ماركت، مثلا، مع شبه قرار بأن يتم شراء طلبات الشهر كله مرة واحدة من محل جملة، يتذكر الواحد لمبة باب الشقة التى فوجئ صباحا أنها «مولعة» من ليلة إمبارح، وخضة اكتشاف أنه كان شغال ليلة أمس على «الثرى جى» وليس «الواى فاى»، وأن التعبير عن الحب لا يعنى دائما دعوة للعشاء فى مطعم «السوشى» السفاح بغض النظر عن كون الحبيبة تبدو ساحرة فى عيونك وهى تلتهم الطحالب المسلوقة، يفكر جديا فى إجراءات توصيل الغاز الطبيعى للتخلص من فاتورة سخان الكهرباء المزعجة، يتأمل الواحد عدم وجود تناسق بين حجم مدخراته وحجم «الشقا» الذى يخوضه حتى هذه اللحظة، يطمئن نفسه قليلا بمحاولة حصر ما أنجزه وما يمتلكه بالفعل، ويفرح به، لأنه ليس قليلا لكنها لحظة سرعان ما تذوب عندما تطل صورة شخص آخر أنجز من خلال مكانك نفسه ما يكشف عن شطارته وخيبة ما فى أدائك، يتذكر الواحد نقلات الأسعار الغاشمة، يفكر الواحد هل هو سوء حظ أن تكون أجمل أيام عمره فى الفترة التى يطالبك فيها البعض بأن تفرح بالطرق الجديدة، وألا تدقق فى موضوع أسعار الوقود الذى ستحتاج إليه لقطع هذه الطرق، يتذكر الواحد فى انتظار المرتب معجزة أن المرتب زاد ولكن قيمته قلت، ويفتتح ملفا فى مخه يرتب فيه أوراقه، تخطيطا لفرصة عمل ربما تكون أفضل، وتليق بمهاراته التى يتعامل معها مكان العمل باستهتار، يردد الواحد بينه وبين نفسه الكثير من جملة «فى المرة الجاية إن شاء الله» فى الشراء والبيع والمصاريف والادخار وتقييم الأجر الذى تستحقه، خطط بارعة تشبه جدول المذاكرة الذى لا يعمله الواحد إلا لتنظيم القلق.
ثم تأتى اللحظة المبهجة، فينهار كل هذا سريعا، تكافئ نفسك أن «المرتب نزل»، وتبدأ رحلة «الفرتكة»، التى تشبه مباريات الدورى المصرى، تبدأ سريعة مشتعلة، ثم يهدأ الإيقاع، وتنقلب الرغبة فى الفوز إلى الرغبة فى عدم الهزيمة، والخروج بتعادل مرضٍ يحفظ ماء الوجه، ينقطع نفسك وأنت تكافح فى انتظار صافرة الحكم، ثم يفاجئك بدقائق طويلة وقتا بدل ضائع «ماكنتش عامل حسابه»، وقتا عصيبا يمر طويلا، بالضبط مثل فترة انتظار «القبض».
المقال نقلا عن "المصري اليوم"
Post a Comment